البرهان… العافية التي مشَت على قدمين
✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف
ليس قائدًا فحسب.
وليس رجل دولةٍ فقط.
البرهان هو عافية السودان حين انهكتها الحمى، وارتجف جسدها بين غدر الداخل وطمع الخارج.
هو النبض الأخير حين أوشك الوطن على السكتة.
هو اليد التي رفعت الراية حين سقطت كل الأيدي.
هو صوت الصحو في زمن التخدير، والقامة التي لم تنحنِ في سوق الخنوع والبيع الرخيص.
رجلٌ من نار التراب
خرج من رحم العسكرية السودانية، لا من مكاتب البروتوكول، ولا صالات المؤتمرات.
لبس الكاكي قبل أن يلبس المنصب،
وحمل السلاح قبل أن يُحمل إليه القلم.
خاض ميادين الجنوب، وسمع الرصاص قبل التصفيق.
حين اختلطت الحقائق،
وصار العميل وطنياً، والخائن مفكراً، والمتآمر مصلحاً،
وقف البرهان وقال: أنا الحُرّ، ابن الأحرار، جندي هذا الوطن.
لم يحكم.. بل حمى
لم يدخل السلطة فاتحًا، ولا جاءها مستجديًا.
دفعته إليها مسؤولية لم يطلبها، لكنه تجلّى فيها كمن خُلق لها.
لم يتشبث بها، لكنه أيضًا لم يفرّط فيها حين علم أن في قبضته مفتاح النجاة من ضياعٍ وشيك.
هو لم يكن “سياسيًا محترفًا”،
لكنّه في لحظة الحقيقة كان أكثرهم وعيًا،
وأصدقهم قولاً،
وأشدّهم بأسًا على من أرادوا أن تُمس كرامة السودان في عقر داره.
البرهان… حين يكون الوطن إنساناً
لو كان الوطن إنسانًا، لكان البرهان هو ملامحه:
جبينه مرفوع،
عيناه لا تغمضان،
وصدره مفتوح للرصاص لا للكلمات.
هو العافية التي مشت على قدمين،
حين أنهك المرض جسد السودان،
وانتظر الناس أن يأتي طبيب من الخارج،
لكنهم وجدوا أن العافية كانت بينهم… اسمها: عبد الفتاح البرهان.
عندما يُكتب التاريخ لا يُذكر الاسم… بل يُرفَع الرأس
عبد الفتاح البرهان ليس سطراً في صحيفة، ولا خبراً في نشرة، بل هو علامة فارقة في تاريخ وطنٍ كان على حافة الضياع.
هو الرجل الذي حين صمتت البنادق عن الحق، تكلم،
وحين ارتجفت الأيادي، ثبت،
وحين تمزق صوت الوطن، صار صوته هو.
لن يُكتب في التاريخ: “حكم البرهان”،
بل سيُكتب:
“عندما انحنى كل شيء… وقف هو.”
سيقرأه الأب لابنه،
وتروي عنه الأم لأحفادها،
لا كقائدٍ مرّ،
بل كعافيةٍ نزلت من السماء في هيئة جندي،
يحمل بندقيته بيد، وراية الوطن في اليد الأخرى.
وإذا سألني أحد: كيف تكتب عن البرهان؟
أقول:
إن كتبتَ عنه كما هو… فلن تكتب عن غيره بعدها أبداً.
** كاتِب لا يمدح… إلا من تستحقه الأوطان.**